اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارونرئيس التحرير أحمد نصار

بين الفيتو والمأساة.. الأمم المتحدة تتحرك لوقف نزيف غزة وسط تجاهل أميركي

غزة
غزة

في سياق يتصاعد فيه الغضب الدولي من الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة منذ أكثر من 19 شهراً، تعود الأمم المتحدة إلى ساحة التحرك، وهذه المرة من خلال الجمعية العامة، للتصويت على مشروع قرار يدعو إلى وقف فوري ودائم وغير مشروط لإطلاق النار. يأتي ذلك عقب استخدام الولايات المتحدة، الأسبوع الماضي، لحق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن لإفشال مشروع مشابه، مما أثار انتقادات واسعة وشكوكاً حول حياد واشنطن في الملف الفلسطيني-الإسرائيلي.

مشروع القرار: مضامين إنسانية وسط مأساة مستمرة

مشروع القرار المطروح أمام الجمعية العامة يتجاوز الدعوة لوقف إطلاق النار ليشمل مطالب إنسانية ملحة:

الإفراج عن الرهائن لدى حركة حماس.

إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية.

انسحاب كامل للقوات الإسرائيلية من القطاع.

فتح المعابر أمام المساعدات الإنسانية دون قيود.

إدانة استخدام "تجويع المدنيين" كسلاح في الحرب.

يأتي ذلك في ظل تحذيرات أممية متكررة من كارثة إنسانية شاملة، وتأكيدات أن الوضع في غزة هو "الأسوأ" منذ بدء الحرب، رغم دخول كميات محدودة من المساعدات مؤخراً.

دور الجمعية العامة: الشرعية الأخلاقية مقابل الانسداد السياسي

رغم أن قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة غير ملزمة قانونياً، إلا أنها تمثل تعبيراً رمزياً عن الإرادة الدولية، بخلاف مجلس الأمن الذي تتحكم فيه مصالح الدول الخمس دائمة العضوية وحق النقض الذي يعطل أي توافق حقيقي. ورجّحت مصادر دبلوماسية أن يحظى القرار بتأييد واسع، كما حدث في تصويتات سابقة في أكتوبر وديسمبر 2023، حين صوّتت 153 و158 دولة تباعًا لصالح وقف إطلاق النار.

رد فعل إسرائيلي-أميركي: رفض مطلق وتهديدات ضمنية

الموقف الإسرائيلي جاء غاضباً، إذ وصف السفير داني دانون القرار بأنه "كذب وافتراء"، مدّعياً أن النص "متحيز ويقوّض جهود تحرير الرهائن ولا يدين حماس". إسرائيل اعتبرت التصويت محاولة لتقويض العملية التفاوضية الجارية.

أما الولايات المتحدة، فلم تكتفِ باستخدام الفيتو في مجلس الأمن، بل بعثت برسائل واضحة تفيد بأن أي تحركات دولية تُعتبر "معادية لإسرائيل" قد تترتب عليها "عواقب دبلوماسية"، في تحذير يكشف عن طبيعة الضغوط التي تُمارس خلف الكواليس على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.

العدوان مستمر: أكثر من 54 ألف قتيل وظلال المجاعة تخيم

في الخلفية، يواصل العدوان الإسرائيلي على غزة حصد الأرواح، حيث تشير الإحصائيات إلى مقتل أكثر من 54 ألف فلسطيني، إلى جانب آلاف المفقودين تحت الأنقاض. وبينما تتحدث إسرائيل عن أهداف عسكرية، يشير الواقع إلى استهداف منهجي للبنية التحتية والمستشفيات ومراكز الغذاء، وهو ما دفع منظمات أممية إلى اتهامها باستخدام التجويع كأداة حرب.

ورغم رفع جزئي للحصار قبل أسابيع، لم تصل المساعدات إلا بحدها الأدنى، وسط تحذيرات من مجاعة وشيكة تهدد حياة أكثر من مليون طفل وامرأة في القطاع.

دلالة التصويت المرتقب: بين الرمزية والتحول الجيوسياسي

التصويت في الجمعية العامة يُعد اختباراً جديداً لمكانة الولايات المتحدة الدولية ومصداقية الأمم المتحدة كمنظمة تُعنى بالسلم والأمن. وفي حال تمرير القرار بأغلبية كاسحة كما هو متوقع، سيكون ذلك بمثابة "صفعة دبلوماسية" مزدوجة لواشنطن وتل أبيب، وتأكيد على عزلة سياسية متزايدة لهما في هذا الملف.

كما أن التوقيت له دلالة خاصة، إذ يأتي قبل مؤتمر دولي مرتقب بشأن حل الدولتين، يُفترض أن يعيد طرح أسس التسوية الشاملة للقضية الفلسطينية، وهو حل يراه كثيرون اليوم مستحيلاً في ظل الوقائع الجديدة على الأرض وسياسات الاحتلال.