سيناريو الضربة الاستباقية.. بين التصعيد الأميركي والهواجس الإيرانية

في تطور هو الأول من نوعه منذ ما يقارب عقدين، تبنّى مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية قراراً يُدين إيران رسمياً بعدم الامتثال لالتزاماتها النووية، مما فتح فصلاً جديداً من التوتر الدولي بشأن البرنامج النووي الإيراني، وسط تحركات عسكرية وقلق إقليمي ودولي متزايد من اندلاع مواجهة جديدة.
جوهر القرار الأممي.. اتهام بعدم الامتثال الكامل
جاء القرار بعد أن خلصت الوكالة إلى أن إيران لم تلتزم بتقديم التعاون الكامل والفوري، فيما يخص أنشطة نووية غير مصرح بها في عدة مواقع داخل البلاد. القرار وصف هذه الإخفاقات، التي تعود إلى عام 2019، بأنها "خرق لاتفاق الضمانات"، وهو ما يمثل، من منظور الوكالة، تهديداً خطيراً لنظام منع الانتشار النووي.
إلا أن هذا القرار لم يكن محل إجماع، بل أُقر بأغلبية محدودة بلغت 19 صوتاً فقط من أصل 35 عضواً، مقابل معارضة 3 دول (بينها روسيا والصين) وامتناع 11 عن التصويت، مما يطرح تساؤلات حول التوازن الجيوسياسي وتأثير الانقسامات الدولية على فاعلية القرارات الأممية.
ردّ إيران: تصعيد تقني واستعراض للسيادة النووية
جاء الرد الإيراني سريعاً واستفزازياً، إذ أعلنت طهران عبر بيان مشترك بين وزارة الخارجية ومنظمة الطاقة الذرية تشغيل مركز جديد لتخصيب اليورانيوم في "مكان آمن"، كما تقرر استبدال أجهزة الطرد المركزي القديمة من الجيل الأول في منشأة "فوردو" بأخرى متطورة من الجيل السادس.
هذا الرد لم يكن تقنياً فحسب، بل حمل رسائل سياسية واضحة. فطهران رأت في القرار الأممي انحيازاً سياسياً غربياً وتسييساً للوكالة الدولية، متهمةً الدول الأوروبية والولايات المتحدة باستخدام المؤسسات الدولية كأدوات للضغط الجيوسياسي دون سند قانوني أو تقني، خاصة بعد أن أغلقت ملفات الأنشطة النووية السابقة منذ أكثر من 25 عاماً.
روسيا والصين.. معارضة بنكهة استراتيجية
الرفض الروسي الصيني للقرار ليس مفاجئاً، بل يعكس تموضعاً متسقاً مع التوجهات المناهضة للهيمنة الغربية على المؤسسات الدولية. ممثل روسيا لدى المنظمات الدولية في فيينا، ميخائيل أوليانوف، اعتبر القرار "غير مقنع" ويفتقر للدعم الكافي. هذا الموقف الروسي الصيني يشير إلى تشكل محور مضاد داخل مجلس المحافظين، وهو ما يعقّد إمكانية فرض عقوبات أو اتخاذ إجراءات أممية أكثر صرامة.
الخيار العسكري على الطاولة: تحركات وتحذيرات
في ظل التصعيد المتبادل، أعادت الولايات المتحدة خيار القوة إلى الواجهة. فقد أشار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب إلى إمكانية تنفيذ عمليات إجلاء للموظفين الأميركيين في الشرق الأوسط، واصفاً المنطقة بأنها "قد تصبح خطرة"، مؤكداً أن واشنطن "لن تسمح لإيران بامتلاك سلاح نووي".
في المقابل، نقلت مصادر إيرانية عن تحذير إقليمي من "ضربة عسكرية إسرائيلية محتملة"، وهو ما يعكس مدى تدهور الوضع الأمني وتداخل الأبعاد الإقليمية في الأزمة النووية.
جولة مفاوضات في عُمان: أمل محدود وسط تصعيد متسارع
رغم التصعيد، تُعقد جولة سادسة من المفاوضات بين طهران وواشنطن في مسقط، العاصمة العُمانية، الأحد المقبل. إلا أن الأجواء المشحونة والتهديدات المتبادلة تجعل فرص النجاح محدودة. المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، أكد أن "منع إيران من التخصيب يجب أن يكون هدفاً استراتيجياً موحداً"، معتبراً أن "الخطر الإيراني وجودي لإسرائيل والولايات المتحدة والخليج".