اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارونرئيس التحرير أحمد نصار

تصفية علي شمخاني.. زلزال في هيكل الدولة العميقة الإيرانية

علي شمخاني
علي شمخاني

في تطور بالغ الخطورة وغير مسبوق، شكّلت العملية الإسرائيلية المسماة "الأسد الصاعد"، التي أُعلن عن تنفيذها الجمعة، ضربة استراتيجية موجعة لإيران، بعدما استهدفت أحد أعمدة نظامها الأمني والعسكري، علي شمخاني. فالرجل الذي ترافق تاريخه الشخصي مع تقلبات الثورة الإيرانية، وجد نفسه في مرمى نيران خارجية لطالما سعى لتفاديها عبر دهائه الدبلوماسي وقربه من دوائر السلطة العليا، لا سيما المرشد الأعلى علي خامنئي.


من الحرس إلى الحكم


شمخاني، المولود في الأهواز عام 1955 لأسرة عربية، صعد بسرعة في صفوف الحرس الثوري الإيراني عقب الثورة الإسلامية. كان حضوره مزيجاً من البعد الثوري والقدرة الإدارية. تقلّد مناصب مفصلية خلال الحرب الإيرانية العراقية، ثم ساهم في إعادة تشكيل العقيدة الدفاعية الإيرانية بعد الحرب، عبر قيادة القوات البحرية ومن ثم وزارة الدفاع.

لكن صعوده الأكبر جاء مع رئاسة حسن روحاني، الذي اختاره أميناً للمجلس الأعلى للأمن القومي عام 2013. ومن هناك، لعب شمخاني دورًا محوريًا في التحولات الكبرى بالسياسة الإيرانية، من توقيع الاتفاق النووي عام 2015، إلى بناء الجسور مع العالم العربي، وخاصة السعودية، حيث كان له الدور الأبرز في اتفاق استئناف العلاقات الذي أُبرم بوساطة صينية في مارس 2023.


رجل المهمات الصعبة


أثبت شمخاني أنه أكثر من مجرد مسؤول أمني. فقد كان دبلوماسيًا ذا كفاءة عالية، مكلفًا بملفات دقيقة لا يتحمل النظام الإيراني المجازفة بها. علاقاته بالمرشد خامنئي وطيدة، بل كان أحد "رجاله الأمنيين" الموثوقين الذين حافظوا على توازن المؤسسة الأمنية الإيرانية في أحلك فتراتها، خصوصاً بعد اغتيال قاسم سليماني في يناير 2020.
وقد ازدادت أهمية شمخاني مع احتدام الصراع الإقليمي والدولي، وخاصة بعد اندلاع الاحتجاجات في إيران عام 2022، وتنامي الضغوط على النظام. ورغم المطالب بإقالته، استمر في منصبه حتى منتصف 2023، حين قرر خامنئي تعيينه مستشاراً سياسياً له، وعضواً في مجلس تشخيص مصلحة النظام، في ما بدا وكأنه ترفيع رمزي يمنحه سلطة معنوية معزولة عن الملفات التنفيذية.

رسائل الاغتيال

تصفية شمخاني، إن تأكدت رسميًا كما تشير وسائل الإعلام الإيرانية، تتجاوز كونها عملية استهداف فرد. إنها رسالة إسرائيلية مزدوجة، موجهة إلى الداخل الإيراني والخارج الإقليمي:
داخليًا: يُعد اغتيال شمخاني اختراقًا مؤلمًا للأمن الإيراني، إذ استهدف شخصية من صلب الدولة العميقة التي تمثل ضمانة استقرار النظام من الداخل. فشمخاني لم يكن فقط رجل أمن، بل جسراً بين التيارات الإصلاحية والمحافظة، ومهندسًا لتوازنات هشة في بنية السلطة.


خارجيًا: يُفهم من العملية أنها ضربة استباقية لتحجيم أي تقارب إيراني–عربي، أو لإفشال جهود إيران في إعادة التموضع الإقليمي بعد سنوات من العزلة. شمخاني كان رأس الحربة في هذا المسار، ولذلك جاء استهدافه في هذا التوقيت بالذات.


ما بعد شمخاني

رحيل شمخاني يطرح علامات استفهام عن تماسك المؤسسة الأمنية الإيرانية. فالرجل جمع بين الخبرة والشرعية والمرونة، وهذه مواصفات نادرة في شخصيات الحكم الإيراني المعاصرة. ومع استمرار التوترات الداخلية، والضغوط الاقتصادية، والانخراط الإيراني في ملفات إقليمية معقدة، يبدو أن غيابه سيُحدث فراغاً يصعب ملؤه سريعًا.
كما أن العملية نفسها قد تدفع إيران إلى إعادة النظر في قواعد الاشتباك، سواء مع إسرائيل أو حتى على المستوى الداخلي، حيث يُتوقع أن تزيد القبضة الأمنية وتشديد الرقابة على النخب، خصوصاً تلك التي تملك علاقات مع الخارج.

موضوعات متعلقة