نداء أوروبي للتهدئة وتحذير أممي صارخ: غزة تمحى أمام أعين العالم

في ظل تصاعد وتيرة الأزمة الإنسانية في قطاع غزة، جدد الاتحاد الأوروبي على لسان المتحدث باسمه للشؤون الخارجية، بيتر ستانو، دعوته العاجلة إلى إيصال المساعدات الإنسانية فورًا وبدون أي عوائق، محذرًا من تسييس أو عسكرة المساعدات في النزاع الفلسطيني الإسرائيلي الذي يتخذ طابعًا أكثر تعقيدًا يومًا بعد يوم.
وقد جاءت تصريحات ستانو خلال مؤتمر صحفي عقد في بروكسل يوم الثلاثاء، حيث أكد أن الاتحاد الأوروبي لا يزال يطالب بضرورة التوصل إلى "وقف إطلاق نار مستدام"، في إشارة إلى أن الحلول المؤقتة أو الهدن الهشة لم تعد مجدية في مواجهة التدهور المتسارع للأوضاع الميدانية والإنسانية في القطاع. كما شدد على ضرورة إطلاق سراح المحتجزين في غزة، في إطار ما يبدو أنه مسعى لتخفيف التوترات وتجنب انفجار إقليمي أوسع.
في هذا السياق، سلّط ستانو الضوء على الدور الحاسم الذي تضطلع به الأمم المتحدة، عبر وكالاتها الإنسانية، في تنسيق توزيع المساعدات داخل القطاع المحاصر، مؤكدًا أن أي تدخل خارجي يجب أن يُبقي على حيادية الدعم الإنساني ويمنع توظيفه كأداة ضغط سياسي أو عسكري. وتعد هذه التصريحات تلميحًا إلى المخاوف الأوروبية من توجيه أو حجب المساعدات بما يخدم أطرافًا متحاربة على الأرض.
أما على صعيد الضفة الغربية، فقد أدان الاتحاد الأوروبي بشدة تصاعد عنف المستوطنين الإسرائيليين ضد الفلسطينيين، واعتبر أن هذه الممارسات — من اعتداءات وحرق ممتلكات وترهيب مباشر — تؤدي بشكل ممنهج إلى تهجير قسري للفلسطينيين من أراضيهم، وهو ما يشكل خرقًا واضحًا للقانون الدولي.
وفي موقف أكثر حدة من المعتاد، طالب ستانو الحكومة الإسرائيلية باتخاذ إجراءات فورية لوقف الهجمات ومحاسبة الجناة، محذرًا من أن استمرار سياسة الإفلات من العقاب يعزز مناخ الإفلات القانوني ويقوض فرص التوصل إلى سلام مستقر وعادل.
ومن داخل المشهد الميداني، قدّم جوناثان ويتال، رئيس مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية، وصفًا مأساويًا لما يحدث في غزة، قائلاً: "غزة تُمحى أمام أعيننا". وأضاف أن المساعدات الإنسانية — التي تُفترض أن تكون شريان الحياة الوحيد للسكان المحاصرين — يتم "تسليحها"، في إشارة إلى أنها أصبحت أداة ضمن معادلات الضغط العسكري والسياسي.
وأكد ويتال أن السكان يضطرون للوقوف لساعات في طوابير طويلة من أجل الحصول على "فتات المساعدات"، مشيرًا إلى أن المشهد الإنساني في القطاع وصل إلى مستوى غير مسبوق من التدهور، في ظل نقص هائل في المواد الأساسية، وانهيار الخدمات الطبية، ودمار واسع للبنية التحتية.
تبرز هذه التصريحات مجتمعة حجم التعقيد في الأزمة الغزاوية، التي تجاوزت كونها مواجهة عسكرية إلى كونها كارثة إنسانية متفاقمة، تُدار في ظل صراع إرادات دولي وإقليمي، حيث تتداخل الحسابات السياسية بالمساعدات، ويتأخر الحل السياسي عن معالجة الأسباب الجذرية للصراع.
كما أن ازدواجية المعايير في التعامل مع العنف في الضفة الغربية وقطاع غزة يضيف بُعدًا أخلاقيًا للانقسام في المواقف الدولية، ويجعل من مستقبل السلام أكثر هشاشة.
إن عدم تحييد المساعدات الإنسانية عن الصراع، سواء من خلال تقييد وصولها، أو توظيفها كأداة تفاوض، لا يعرض فقط أرواح المدنيين للخطر، بل يُعد انتهاكًا صريحًا للقانون الدولي الإنساني، ويزيد من فقدان الثقة في النظام الدولي نفسه.