اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارونرئيس التحرير أحمد نصار
شركة طيران تصدم ركابها بالرسوم الجديدة.. ما القصة؟ غزة.. الحديث يدور عن الهدنة وسط القتل والغارات في أول لقاء بينهما.. ترامب يحذر رئيس «الاحتياطي الفيدرالي» من عدم خفض الفائدة إيفانكا ترامب الأكثر طلباً.. أمريكيون يخضعون لعمليات تجميل ليصبحوا مثل السياسيين رئيس وزراء كندا السابق يثير الجدل أثناء لقائه الملك تشارلز.. تعرف على السبب حماس: الرد الإسرائيلي على مقترح ويتكوف لوقف إطلاق النار لا يلبي مطالب الحركة «الدعم السريع» تعيد تموضعها في غرب السودان والجيش يُصعِّد جواً تنديد دولي بمشروع استيطاني جديد يمهد لسيطرة الاحتلال الإسرائيلي على الضفة تريليون دولار.. وزير اقتصاد دمشق يكشف تكلفة بناء سوريا الجديدة تلفزيون الاحتلال الإسرائيلي: نتنياهو أبلغ عائلات الأسرى موافقته على مقترح ويتكوف الجديد إسرائيل تبني 22 مستوطنة جديدة لإضفاء شرعية على احتلال الضفة الغربية طبيبة بريطانية متطوعة في غزة: ما يحدث هنا أكبر جريمة حرب في تاريخ الإنسانية

مصير إدارة مخيمات داعش بين مفاوضات قسد ودمشق

مخيم الهول
مخيم الهول

يُمثل ملف سجناء وعائلات تنظيم "داعش" الموجودين لدى "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) أحد أكثر التحديات الشائكة والمعقدة في المشهد السوري الراهن، بل ويمكن وصفه بأنه أحد أبرز أوراق التفاوض الجيوسياسية في شرق الفرات، نظراً لتداخل الأبعاد الأمنية والسياسية والدولية فيه، خاصة بعد سقوط نظام الأسد أواخر العام الماضي، وتغيّر موازين القوى.

"قسد".. من عبء أمني إلى ورقة ضغط استراتيجية


خلال السنوات الماضية، تحوّلت "قسد" من قوة محلية تقاتل داعش بدعم دولي إلى فاعل سياسي يحمل ورقة تفاوض ذات طابع دولي. سيطرتها على السجون والمخيمات التي تضم ما يقرب من 12 ألف مقاتل من داعش، وأكثر من 35 ألفاً من النساء والأطفال المرتبطين بالتنظيم، منحها قوة معنوية وورقة ابتزاز مزدوجة:
أمنياً: عبر التلويح بخطر "كسر القيود" وعودة التنظيم إلى الساحة.

سياسياً: من خلال تقديم نفسها كقوة "لا يمكن الاستغناء عنها" في مكافحة الإرهاب.


تدرك "قسد" جيداً أن هذه الورقة هي صمام الأمان لوجودها السياسي والعسكري، خاصة في ظل التهديدات التركية المتكررة، والمطالبات السورية – بعد سقوط النظام السابق – بتسليم السجون والمخيمات.


محاولة تفاهم أم إعادة تموضع؟


الزيارة التي قام بها وفد حكومي سوري مؤقت إلى مخيم الهول، بحضور ممثلين من "قسد" والتحالف الدولي، أثارت جدلاً واسعاً حول الأهداف الحقيقية، خاصة في ظل التسريبات عن شمول الجولة لبعض السجون المركزية، مثل سجن غويران والثانوية الصناعية. جاء ذلك في سياق لقاء جمع الرئيس الأميركي دونالد ترمب بنظيره السوري الجديد أحمد الشرع في الرياض، حيث طلب ترمب صراحة من دمشق تسلّم ملف احتجاز عناصر داعش، وهو ما نفته "قسد" لاحقاً.
لكن واقع الزيارة، وإن لم يُعترف به رسمياً كخطوة نحو التسليم، يؤشر إلى محاولة لإعادة تقييم الملف على المستوى الإقليمي والدولي، وربما اختبار نوايا الأطراف في ظل التحوّل السياسي الكبير بعد سقوط النظام السابق.


من نزوح إلى احتضان "الحاضنة الجهادية"


تأسس مخيم الهول في 2015 كوجهة للنازحين العراقيين الهاربين من سيطرة "داعش"، قبل أن يتحول إلى مركز لاحتواء عائلات التنظيم الذين سلموا أنفسهم خلال معارك دير الزور والرقة. لاحقاً، تم تخصيص جزء من مخيم "روج" كمركز لإعادة تأهيل هذه العائلات، في محاولة لتخفيف الضغط الأمني.


بلغ عدد سكان مخيم الهول ذروته عام 2019 بنحو 70 ألف شخص، لكن الرقم انخفض لاحقاً إلى أقل من 35 ألفاً، نتيجة ترحيل بعض العائلات واستجابة بعض الدول لاستعادة رعاياها. مع ذلك، لا تزال قرابة 10 آلاف عائلة أجنبية من 56 جنسية تقيم داخل المخيم، ما يجعله بؤرة توتر دائمة.


دمشق تقترب و"قسد" تراوغ


على الرغم من التغيرات السياسية في دمشق، وتشكيل الحكومة الانتقالية الجديدة برئاسة أحمد الشرع، لم تُبدِ "قسد" أي نية لتسليم السجون أو المخيمات بشكل مباشر. بل إنها استمرت في التأكيد على أن ملف "داعش" سيبقى بيدها، رغم استعدادها للتنسيق "في إطار وطني مشترك".
في المقابل، جاء تصريح مظلوم عبدي، قائد "قسد"، بأنهم منفتحون على التنسيق مع الحكومة، بمثابة تنازل تكتيكي لا يمس بجوهر سيطرتهم على الملف، بل يُظهرهم كقوة "مسؤولة" دولياً.

تركيا تضغط


تتابع تركيا تطورات الملف عن كثب، وترى في إدارة "قسد" لسجون ومخيمات داعش ذريعةً لاستمرار الدعم الغربي لها، وهو ما تسعى إلى تقويضه. فبعد سقوط نظام الأسد، عادت أنقرة لطرح مبادرة تشكيل لجنة رباعية (تركيا، سوريا، العراق، الولايات المتحدة) لمناقشة مصير المخيمات والسجون.
تركيا تُدرك أن إنهاء سيطرة "قسد" على هذا الملف يعني تجريدها من سلاحها التفاوضي الأقوى، خاصة في ظل التوترات الحدودية والعمليات العسكرية السابقة (غصن الزيتون – نبع السلام).
التحالف الدولي.. شريك ميداني أم عبء متجدد؟
يحاول التحالف الدولي، بقيادة واشنطن، أن يوازن بين دعم "قسد" كشريك عسكري، وبين تلبية مطالب الدول باستعادة رعاياها من النساء والأطفال. لكنه يجد نفسه اليوم أمام معضلة مزدوجة:
رغبة دمشق الجديدة في تحمل المسؤولية الأمنية.

ضغط "قسد" لإبقاء الملف بيدها، بوصفه بوابة "اللامركزية السياسية".

ولم تسفر الاجتماعات حتى الآن عن أي اتفاق صريح بشأن تسليم المخيمات، بل اقتصر الأمر على بحث "آليات خروج طوعي" للعائلات السورية، وفق ما أكدته مديرة مخيم الهول.

التوازنات المستقبلية.. من يدفع الثمن؟


مع كل يوم يمر دون حل نهائي، تستمر التوترات الأمنية في مخيم الهول، وسط تقارير عن محاولات تجنيد وبث فكر داعش بين القاطنين، لا سيما في ظل النشاط الأمني المتزايد للتنظيم في محيط دير الزور.
وبين رغبة "قسد" في الحفاظ على سيطرتها، وتطلّع دمشق لتوسيع نفوذها، وتربص تركيا، وتردد الغرب، يبدو أن المدنيين المحاصرين في المخيمات، وخاصة الأطفال والنساء، هم من يدفعون الثمن الأكبر.

ملف سجناء وعائلات داعش في قبضة "قسد" تجاوز البعد الأمني إلى أن أصبح أداة تفاوض سياسي إقليمي ودولي، تتشابك فيه المصالح الأميركية والروسية والتركية والسورية. وفي ظل غياب رؤية دولية شاملة لإعادة تأهيل ودمج هؤلاء، أو محاكمتهم في إطار قانوني عادل، فإن الأزمة مرشحة للاستمرار، بل وللانفجار في أي لحظة، ما لم يتم تحييد الملف عن الحسابات السياسية واعتباره مسؤولية إنسانية وأمنية جماعية.