اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارونرئيس التحرير أحمد نصار

58 عامًا من النكسة.. استمرارية الاحتلال والتدمير وحرب لا تنتهي

النكسة
النكسة

يصادف اليوم الخميس الخامس من حزيران الذكرى الثامنة والخمسين لما يُعرف بـ"النكسة" عام 1967، وهي لحظة فارقة في التاريخ العربي والفلسطيني، حيث تمخضت عن احتلال إسرائيلي لمناطق جغرافية شاسعة تشمل القدس، وهضبة الجولان السورية، وشبه جزيرة سيناء المصرية، إضافة إلى الضفة الغربية. هذه الحرب، التي اندلعت بين إسرائيل من جهة، ومصر والأردن وسوريا من جهة أخرى، لم تكن مجرد حدث عسكري عابر، بل شكلت نقطة تحوّل دراماتيكية أدت إلى تغييرات جذرية في الموقف السياسي والجغرافي، وما زالت تبعاتها تنعكس على الواقع الفلسطيني والعربي حتى اليوم.
خلفية الحرب وأسباب النكسة
على الرغم من التوترات المتزايدة في المنطقة، فقد أظهرت إسرائيل رفضًا قاطعًا لأي منطق سلام أو التزام بقرارات الأمم المتحدة التي كانت تهدف لوقف التصعيد. ورغم تعهد الدول العربية بعدم بدء الحرب، إلا أن إسرائيل، بدعم من الولايات المتحدة، نفذت ضربة جوية مباغتة على مطارات الجيوش المصرية والسورية والأردنية، قضت على قدراتهم الجوية، مما منحها التفوق العسكري الاستراتيجي على الأرض منذ اللحظة الأولى.
فترة 5-10 حزيران شهدت هجمات متتالية على الجبهات المختلفة، حيث كان الهجوم الرئيسي موجهاً إلى الجبهة المصرية، فيما كانت الجبهة الأردنية والثانوية السورية هدفاً لعمليات مدفعية مستمرة. وعلى الرغم من صدور قرار دولي بوقف إطلاق النار، استمرت إسرائيل في حشد قواتها والضغط على الجبهات، ما أدى إلى احتلال الأراضي الغربية – بما فيها القدس – بحدود جديدة ومؤلمة.

نتائج كارثية ومآسي إنسانية


كانت نتائج حرب 1967 كارثية من كل النواحي؛ حيث خسرت الدول العربية مئات الكيلومترات المربعة من الأراضي، مع احتلال 5878 كيلومترًا مربعًا من الأراضي الفلسطينية، والتي شهدت تهويدًا منهجيًا وبناء مستوطنات واستغلالًا استراتيجياً للموارد المائية والاقتصادية. تراجع الأردن في حدود الضفة الغربية وتقلصت الأراضي العربية بشكل دراماتيكي، مع نهب مكثف للثروات، وتهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين من غزة والضفة الغربية، إضافة إلى تهجير آلاف السوريين من الجولان والمصريين من سيناء.


هذا التهجير الجماعي كان مصحوبًا بمجازر واعتقالات واسعة، ناهيك عن فقدان آلاف الأشخاص، في ظل سجلات متضاربة عن أعداد الأسرى والمفقودين، مما يعكس فوضى الحرب وعمق الكارثة.


استمرار الاحتلال وسياسات القمع


بعد الحرب، فرضت إسرائيل سيطرتها عبر أوامر عسكرية وقوانين صارمة، مثل الأمر العسكري رقم 2 لعام 1967، الذي ألغى أي قوانين سابقة تتعارض مع الإدارة العسكرية للاحتلال، ومن ثم الأمر العسكري رقم 347 في 1981 الذي نقل السلطات المدنية إلى إدارة مدنية خاضعة للجيش.
تسير هذه الإدارة على نهج قمعي شديد، يرفض الامتثال للقانون الدولي، ويتعامل مع الفلسطينيين على أنهم مجرمون وإرهابيون، متمثلة في سلوك القمع بحق الأسرى، والاعتقالات التعسفية، والتهجير القسري، والاستيلاء على الأراضي والموارد. كما تفرض الإدارة العسكرية إجراءات قاسية على السكان، تشمل تفريغ القرى، نفي القيادات المحلية، وفرض قوانين تمييزية تهدف إلى تهميش السكان وإضعاف المقاومة.

الربط مع الواقع الراهن

هذه الذكرى تكتسب دلالة إضافية في ظل الأحداث الدامية الحالية في قطاع غزة والضفة الغربية، حيث تتواصل جرائم الاحتلال عبر عمليات عسكرية وحشية، قصف مستمر، ومجازر يومية بحق المدنيين، في امتداد لما بدأ قبل أكثر من نصف قرن. النزوح والدمار والاعتقالات الجماعية لم تتوقف، بل ازدادت حدتها في ظل تواطؤ أو تقاعس المجتمع الدولي عن حماية حقوق الشعب الفلسطيني.


تتجلى هذه المأساة في الإحصائيات التي توثق مقتل عشرات الآلاف من المدنيين في قطاع غزة منذ أكتوبر 2023، إضافة إلى مئات آلاف النازحين الذين يعانون ظروفًا مأساوية، تعكس استمرار النكسة وتحولها إلى محنة يومية بلا نهاية.


النكسة ليست مجرد ذكرى تاريخية، بل هي حالة مستمرة من الاحتلال والقمع والدمار تمارسها إسرائيل يومياً في الأراضي المحتلة، مدعومة بتحالفات دولية معادية، في ظل غياب حلول سياسية حقيقية توقف مسلسل المآسي. تفكيك هذا الواقع يتطلب قراءة معمقة، تشخيصًا دقيقًا، وتحركًا جادًا على المستويات الإقليمية والدولية لوقف مسلسل العنف والتهجير، ولإعادة الحقوق المسلوبة إلى أصحابها الشرعيين.

موضوعات متعلقة