اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارونرئيس التحرير أحمد نصار

الضربة المؤجلة.. إيران بين خديعة التواطؤ الأمريكي وسيناريوهات الرد المصيري

إيران
إيران

في ظل التصعيد الأخير، تتكشف ملامح شراكة أمريكية كاملة في الضربة التي وُجّهت إلى إيران، حيث تتعدد أوجه الدعم الأمريكي لتشمل تزويد "إسرائيل" بالسلاح، وتقديم المعلومات الاستخباراتية، واستخدام الأقمار الصناعية، بل وحتى الخداع السياسي من خلال تصريحات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب التي أوحت بعدم وقوع الهجوم قبل نهاية المفاوضات النووية، وهو ما سهل عنصر المباغتة.

ورغم احتمالية وجود دعم عسكري مباشر من الولايات المتحدة، تسعى القوى المتحالفة معها، خاصة الدول المضيفة لقواعد أمريكية، إلى الترويج لحياد واشنطن، في محاولة لتفادي استهداف تلك القواعد من قِبل إيران، خصوصاً في العراق ودول الخليج، التي تمثل رهائن استراتيجية يمكن لطهران ضربها إذا قررت التصعيد.


المثل الشعبي المصري "الضربة السابقة... سابقة" يلخص جوهر المبادرة الاستراتيجية؛ ففي لبنان، أدت سياسة الترقب من جانب حزب الله إلى ضربة استباقية استهدفت ترسانته النوعية، بينما دفعت إيران ثمن الانتظار دون استعدادات كافية لحماية مواقعها الحيوية أو احتواء الاختراقات الاستخباراتية العميقة في بنيتها الداخلية، والتي ربما سهلت تنفيذ الضربات.
ومن المثير أن الضربات لم تطل المرشد الأعلى الإيراني، ما يثير تساؤلات حول نوايا الولايات المتحدة، التي ربما تبقي عليه باعتباره مفتاحًا لضمان مرونة القرار الإيراني في المفاوضات النووية. هذا التقدير يضع واشنطن في موقع اللاعب الأساسي، بينما يظل "العدو الصهيوني" مجرد أداة تنفيذية ضمن إستراتيجية أشمل للضغط على إيران.

حماية غربية


أما الرد الإيراني، فرغم التهديدات، يواجه بجدار من الحماية الغربية، ممثلاً في قوات وقواعد أمريكية وفرنسية وبريطانية موزعة في سوريا والأردن والخليج، ما يجعل أي رد مباشر مخاطرة بتوسيع رقعة الحرب، وتحويلها إلى مواجهة مفتوحة مع الغرب بأسره.
أمام طهران اليوم خياران لا ثالث لهما: إما الدخول في حرب وجودية تستنزف الجميع بمنطق "عليّ وعلى أعدائي"، أو القبول بشروط تسوية مذلة، لا تقتصر على البرنامج النووي بل تمتد لتطال البرنامج الصاروخي والمنشآت البحثية والعسكرية، بما يهدد مكانة النظام نفسه داخلياً ويقوض ما تبقى من مشروعيته.
غير أن الأخطر من كل ذلك هو عودة نموذج "الاستدمار العسكري" بشكله المعاصر: استخدام القوة لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية دون الحاجة لاحتلال مباشر. هذا النموذج الذي جُرِّب ضد إيران يمكن أن يُعاد تطبيقه على دول عربية أخرى، ما لم تواجهه المنطقة بمنطق القوة والمناعة الذاتية.

إن التحدي الحقيقي أمام الدول العربية ليس في التسليم بالأمر الواقع، بل في إطلاق مشروع شامل لتعزيز قدراتها الدفاعية من خلال تطوير البحث العلمي والتقني، مع السعي الجاد لإخراج الكيان الإسرائيلي من مظلة الاستثناء النووي، عبر حملة إقليمية ودولية تفرض عليه الانضمام لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، أو انسحاب عربي جماعي من المعاهدة إن استمر الكيل بمكيالين.
فالرهان على الحماية الغربية لا يعني سوى الاستسلام لإرادة الإمبراطورية الأمريكية وذراعها الإسرائيلي، وهو رهان خاسر لا يقود إلا إلى مزيد من الإذلال والتبعية والنهب المنهجي لمقدرات المنطقة، ما لم تُبْنَ موازين ردع حقيقية تُعيد صياغة المعادلة بقوة.

موضوعات متعلقة