الاتحاد الأوروبي يدرس فرض عقوبات ضد إسرائيل بسبب غزة

في ظل تصاعد الغضب الدولي جراء استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، يتجه الاتحاد الأوروبي نحو خطوات غير مسبوقة قد تعيد تشكيل علاقته السياسية والاقتصادية مع إسرائيل. فقد أعلن رئيس المجلس الأوروبي، أنطونيو كوشتا، أن المفوضية الأوروبية تُعد حالياً تقريراً قانونياً مرتقباً سيتم عرضه في 23 يونيو أمام مجلس وزراء خارجية الاتحاد، بهدف تقييم مدى التزام إسرائيل ببند حقوق الإنسان المنصوص عليه في اتفاقية الشراكة المبرمة بين الطرفين.
البعد القانوني
يُعد البند الثاني من اتفاقية الشراكة الأوروبية – الإسرائيلية حجر الأساس في العلاقات الثنائية، حيث ينص على ضرورة احترام حقوق الإنسان كشرط جوهري لاستمرار التعاون، بما في ذلك العلاقات التجارية والاقتصادية. هذا البند يمنح الاتحاد الأوروبي آلية قانونية لإعادة النظر أو تقليص أوجه من الاتفاقية، في حال ثبوت الانتهاك، دون الحاجة لإجماع تام من الدول الأعضاء، بل فقط عبر "أغلبية خاصة".
ورغم أن تعليق الاتفاق كاملاً لا يزال غير مرجح بسبب معارضة بعض الدول، إلا أن خيار "العقوبات الجزئية" أصبح مطروحاً وبقوة، خاصة بعد طلب 17 دولة من أصل 27 إعداد التقييم القانوني، وهو ما يعكس تحوّلاً لافتاً في المزاج السياسي الأوروبي.
البعد السياسي والدبلوماسي
الضغوط تتزايد على المفوضية الأوروبية، خصوصاً من فرنسا وهولندا وبلجيكا، لإبداء موقف حازم حيال ما يجري في غزة، وسط تقارير تفيد بأن هذه الدول إلى جانب بريطانيا تدرس بشكل متقدم خطوات مثل الاعتراف الأحادي بدولة فلسطينية. كما أشار أربعة دبلوماسيين لموقع "بوليتيكو" إلى أن هناك "إجماعاً متزايداً" بضرورة تخفيض مستوى العلاقات مع إسرائيل، إذا ثبت أنها لا تحترم التزاماتها الحقوقية.
وفي خطوة سياسية ذات دلالة، دعا وزير الخارجية الفرنسي جان نُويل بارو صراحةً إلى إعادة النظر في الاتفاقية، مشيراً إلى أن الأوضاع المأساوية في غزة لم تعد تحتمل التسويف أو التواطؤ الدبلوماسي.
الأزمة الإنسانية كمحفّز للتغيير
المشهد في غزة، بحسب وصف كوشتا، "غير مقبول إطلاقاً"، في ظل مشاهد المجاعة، وانهيار الخدمات الأساسية، والقصف المستمر الذي يستهدف المدنيين، في حرب تجاوزت الشهر التاسع عشر، وراح ضحيتها عشرات الآلاف. وقد وصف مراقبون هذا التصريح بأنه من أقوى الإشارات الأوروبية حتى الآن على إمكانية تفعيل أدوات الضغط السياسي والاقتصادي ضد إسرائيل.
المعوقات والتحديات
ورغم هذا التوجه المتصاعد، لا تزال هناك قوى داخل الاتحاد الأوروبي تُعارض فرض عقوبات، على خلفية اعتبارات سياسية وتحالفات تقليدية مع إسرائيل. تسع دول رفضت حتى الآن طلب التقييم القانوني، من بينها دول شرق أوروبا المعروفة بدعمها الثابت لتل أبيب. كما أن وجود دول غير أعضاء مثل بريطانيا في سياق الاعتراف بدولة فلسطين قد يُعيد خلط أوراق الجبهة الغربية ويؤثر على وحدة الموقف الأوروبي.
اختبار أخلاقي
الاتحاد الأوروبي يواجه اختباراً أخلاقياً وقانونياً وسياسياً حقيقياً، فإما أن يثبت مصداقيته كمدافع عن حقوق الإنسان، عبر خطوات عملية ضد منتهكيها، أو أن يُتهم بالنفاق السياسي والكيل بمكيالين. والأيام القادمة، وتحديداً جلسة 23 يونيو، ستكون فاصلة في تحديد المسار الذي سيسلكه الاتحاد في علاقته مع إسرائيل، ومدى قدرته على تجاوز الانقسامات الداخلية لاتخاذ موقف يعكس الواقع الكارثي في غزة.