عملية الشبكة العنكبوتية.. كيف أججت ضربة أوكرانيا التصعيد الروسي وتصدعت معها مواقف ترمب؟

في تطور خطير يعكس تحولاً في مسار الحرب المستمرة بين روسيا وأوكرانيا منذ عام 2022، جاءت تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترمب في السادس من يونيو 2025 لتثير جدلاً واسعاً، إذ بدا وكأنه يضفي شرعية ضمنية على الهجوم الروسي العنيف الذي استهدف المدن الأوكرانية، قائلاً إن "أوكرانيا منحت بوتين مبرراً لقصفها بشدة". هذا التصريح أطلقه ترمب خلال حديثه مع الصحافيين على متن الطائرة الرئاسية، في أعقاب واحدة من أعنف الهجمات الروسية على كييف ومدن أوكرانية أخرى.
الهجوم الروسي الواسع وقع ليلة السادس من يونيو، مستخدماً صواريخ دقيقة وطائرات مسيّرة، في رد واضح على عملية أوكرانية جريئة أُطلق عليها اسم "الشبكة العنكبوتية"، جرت في الأول من يونيو، حيث استهدفت طائرات مسيرة أوكرانية أربعة مطارات عسكرية رئيسية داخل الأراضي الروسية. وأفادت كييف أن الهجوم ألحق أضراراً بـ41 طائرة، بينها قاذفات استراتيجية وطائرات تجسس، مؤكدة أنها عطّلت 34% من أسطول القاذفات الاستراتيجية الروسي، في ما يعدّ تطوراً نوعياً في أدوات واستراتيجية الحرب.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي كان قد تعهّد بالرد على هذه العملية خلال مكالمة هاتفية مع ترمب، لم يتأخر في تنفيذ وعده، ما عزّز الانطباع بأن موسكو باتت تنظر إلى هذا الهجوم الأوكراني كتصعيد مباشر يتطلب رداً واسع النطاق.
موقف الإدارة الأمريكية
ترمب، الذي حرص في خطابه العلني على إظهار قلقه من تفاقم النزاع، عبّر بوضوح عن رفضه للعملية الأوكرانية قائلاً: "لا يعجبني هذا، قلت لهم لا تفعلوا ذلك"، مضيفاً بنبرة توبيخ ضمنية: "لقد أعطوا بوتين سبباً للرد". ورغم هذه اللهجة المزدوجة – المزيج بين التحذير والتبرير – لم يبدُ أن إدارة ترمب مستعدة لاتخاذ إجراءات صارمة لردع روسيا، إذ استمر البيت الأبيض في تأجيل فرض عقوبات جديدة على موسكو، ما فسّره البعض على أنه موقف يميل إلى المهادنة أو التراخي في مواجهة التصعيد الروسي.
في الوقت ذاته، كانت موسكو تطلق وابلًا من الضربات الجوية التي أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن خمسة أشخاص، مع استمرار تقدم القوات الروسية على جبهات القتال، وخصوصاً في الشرق والجنوب الأوكراني. ورغم انعقاد محادثات سلام في إسطنبول، فإنها لم تنجح في تحقيق أي اختراق ملموس أو وقف لإطلاق النار، ما جعل التصعيد العسكري هو العنوان الأبرز للأيام الأخيرة.
وفي بادرة إنسانية نادرة، اتفقت موسكو وكييف على تنفيذ عملية تبادل جديدة لأسرى الحرب تشمل 500 أسير من كل جانب، بعد عملية سابقة شملت ألف أسير في مايو الماضي، إضافة إلى اتفاق على تبادل جثث آلاف الجنود. ورغم أهمية هذا التطور من منظور إنساني، فإنه لم ينجح في تهدئة التوتر المتصاعد أو كبح جماح الحرب التي باتت أكثر تعقيداً وتداخلاً.
ردود أفعال مرتبكة
تكشف تصريحات ترمب وردود أفعاله المرتبكة عن مأزق أميركي في التعامل مع الحرب الأوكرانية، بين دعم حليف غربي يُظهر جرأة عسكرية متزايدة، وبين الحرص على تفادي مواجهة مباشرة مع روسيا قد تُفجّر صراعاً أوسع. عملية "الشبكة العنكبوتية" مثلت نقلة نوعية في قدرات كييف الهجومية، لكنها دفعت موسكو إلى تصعيد دموي جديد، وسط بيئة دبلوماسية فاشلة ومواقف دولية مترددة.
ويطرح هذا الواقع أسئلة ملحة: هل تملك أوكرانيا حق المبادرة الاستباقية، أم أن مثل هذه العمليات تُستغل ذريعة لمزيد من القصف والدمار؟ وهل يستطيع ترمب الحفاظ على توازن سياسي يُرضي الداخل الأميركي ويمنع انفجار الجبهة الأوروبية؟ أم أن مواقفه الغامضة ستكون سبباً في تأجيج حربٍ قد تخرج عن السيطرة؟.