حماس: لا بديل لغزة إلا التحرير الشامل وفلسطين من البحر إلى النهر

في خضم حرب ضارية وحصار مستمر، خرج الناطق باسم حركة حماس، فوزي برهوم، بتصريحات تحمل طابعًا تعبويًا وتكشف عن الإصرار العقائدي والسياسي لدى الحركة، مشيرًا إلى أن "لا بديل لسكان غزة عن ساحات المسجد الأقصى والتحرير الكامل لفلسطين من بحرها إلى نهرها". هذه العبارة تختصر رؤية حماس غير القابلة للمساومة، والتي لا تزال تتبنى خطابًا يؤكد رفض الاعتراف بإسرائيل ويشدد على حتمية المقاومة حتى "النصر أو الشهادة".
ثبات شعبي مقابل دمار غير مسبوق
برهوم، في بيانه المنقول عن المركز الفلسطيني للإعلام، رسم صورة لغزة كقلعة صمود في وجه ما وصفه بـ"دمار لم تشهده البشرية"، مؤكدًا أن سكان القطاع لا يزالون متمسكين بخيار المقاومة رغم المعاناة الإنسانية الكارثية. في هذه اللغة، يُعاد توجيه الخطاب إلى محورين: الداخل الفلسطيني المتماسك، والخارج المتخاذل حسب رؤية الحركة، لا سيما العالم الإسلامي الذي اتهمه برهوم بـ"السبات" في لحظة تاريخية فارقة، داعيًا إياه إلى انتفاضة نصرة لغزة.
حراك دبلوماسي في ظل تعقيدات سياسية
تزامنت تصريحات برهوم مع إعلان مغادرة وفد قيادي من حركة حماس للعاصمة المصرية القاهرة، بعد محادثات مكثفة مع المسؤولين المصريين. الوفد الذي ضم أسماء بارزة كخالد مشعل، خليل الحية، وزاهر جبارين، طرح رؤية الحركة لـ"صفقة شاملة"، تشمل وقف إطلاق النار، تبادل الأسرى، الإغاثة، وإعادة الإعمار.
لكن هذه الجهود تصطدم بجدار الصراع المعقد؛ إذ إن إسرائيل، المدعومة بالموقف الأمريكي، ترفض التعامل مع أي اتفاق لا يتضمن "نزع سلاح حماس"، وهو ما ترفضه الحركة بشكل قاطع وتعتبره مساسًا بجوهر مشروعها المقاوم. كما أن إسرائيل تراجعت عن بند سابق نص على التفاوض على إنهاء الحرب ضمن المرحلة التالية من اتفاق وقف إطلاق النار، ما أدى إلى انهيار الهدنة التي كانت قائمة منذ يناير.
البعد الإنساني: أزمة تزداد عمقًا
الوضع الإنساني في قطاع غزة بلغ حدًا كارثيًا بعد أكثر من شهرين على الحصار المحكم، حيث مُنعت المساعدات الغذائية والطبية من الدخول، ما يُنذر بانفجار صحي واجتماعي وشيك. الوفد الحمساوي شدد خلال المباحثات على ضرورة التحرك الفوري لإيصال المساعدات، فيما تستمر جهود الوساطة التي تقودها مصر وقطر والولايات المتحدة، لكن دون اختراق جوهري في مسار المفاوضات.
قراءة في الموقف الإقليمي والدولي
تصريحات حماس، لا سيما في جانبها الخطابي، تعكس محاولة لتأطير المعركة ضمن سياق أوسع من الصراع الوجودي بين الأمة الإسلامية ومشاريع التبعية الغربية، وهو خطاب تعبوي تقليدي لكنه يعكس أيضًا شعورًا بالعزلة والخذلان في آنٍ واحد. في المقابل، فشلت القوى الإقليمية والدولية حتى اللحظة في فرض أي معادلة سياسية جديدة، لا بسبب تعنّت حماس فقط، بل أيضًا بسبب تصلب الموقف الإسرائيلي وازدواجية المعايير الغربية.
افق سياسي مسدود
غزة تقف اليوم على مفترق حاد: بين معركة وجودية ترفعها حماس كخيار وحيد، وأفق سياسي مسدود تحكمه اشتراطات تعجيزية. المأساة الأكبر تبقى في المدنيين الذين يُسحقون بين صلابة المواقف وتراخي الإرادات الدولية، فيما تتضاءل فرص الحلول السياسية وتتعاظم الكلفة الإنسانية. ما يجري ليس مجرد صراع عسكري، بل أزمة متعددة الأبعاد، تتطلب حلاً سياسيًا شجاعًا يعترف بكرامة الفلسطيني وحقه في الحياة، دون أن يُختزل في شروط نزع السلاح أو خنق المقاومة باسم السلام.