اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارونرئيس التحرير أحمد نصار

تصعيد استراتيجي.. الاتحاد الأوروبي يلوّح بعقوبات مالية على بنوك صينية وسط اشتباك دبلوماسي متعدد الجبهات

الاتحاد الأوروبي
الاتحاد الأوروبي

في خطوة تُعد من أكثر تحركاته جرأة على الساحة الجيوسياسية، يدرس الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات على بنكين صينيين يُشتبه في ضلوعهما في تسهيل تجارة محظورة مع روسيا، مما يمثل سابقة في السياسة الأوروبية تجاه المؤسسات المالية التابعة لدول غير منخرطة مباشرة في الصراع الأوكراني.

ويأتي هذا التطور ضمن الحزمة الجديدة للعقوبات الأوروبية التي أعدّتها المفوضية الأوروبية، وتنتظر موافقة جماعية من الدول الأعضاء لتدخل حيز التنفيذ، وفق ما نقلته "فايننشال تايمز" عن أربعة مصادر مطلعة.

أبعاد التصعيد: من استهداف الأفراد إلى المؤسسات المالية العالمية

تشير هذه الخطوة إلى تحول نوعي في الاستراتيجية الأوروبية التي انتقلت من معاقبة أفراد وكيانات روسية أو أوروبية، إلى استهداف بنوك صينية، في رسالة مباشرة لبكين بأن "الحياد الاقتصادي" لم يعد خياراً مقبولاً في صراع دولي تتداخل فيه المصالح العسكرية، والمالية، والتجارية.

وبحسب المصادر، فإن البنكين المعنيين، رغم كونهما إقليميين وصغيرين نسبياً، استخدما معاملات رقمية معقدة لتسهيل توريد بضائع مشمولة بالعقوبات، وهو ما أثار غضب بروكسل التي تسعى لقطع شرايين التهريب والإمداد عن الصناعات العسكرية الروسية.

التوقيت الحرج: قمة أوروبية صينية وقلق من توجهات ترمب

يتزامن هذا التهديد بالعقوبات مع حراك دبلوماسي حساس، إذ يستعد الاتحاد الأوروبي لعقد قمة مع الرئيس الصيني شي جين بينغ في بكين، ما يعقّد أي إجراءات عقابية قد تفسد المناخ التفاوضي.

وفي السياق ذاته، يراقب الأوروبيون موقف الرئيس الأميركي دونالد ترمب المرتقب في قمة مجموعة السبع في كندا، حيث يمكن لموقفه من دعم العقوبات أن يؤثر في وحدة القرار الأوروبي، خصوصاً في ظل تباين المواقف بين الدول الأعضاء.

الرد الصيني: اتهامات بازدواجية المعايير والدفاع عن الشراكة مع موسكو

من جهتها، رفضت بكين مسبقاً الاتهامات الغربية بمساعدة روسيا عسكرياً، معتبرة أن التعاون التجاري الطبيعي بين الدول لا يمكن تقييده. وفي هذا السياق، صرحت المتحدثة باسم الخارجية الصينية ماو نينغ بأن "الشراكة الاقتصادية بين الصين وروسيا شرعية ولا تستهدف أحداً".

ويُذكر أن حجم التجارة بين الصين وروسيا تجاوز 245 مليار دولار في عام 2024، مما يعكس تحولاً استراتيجياً في العلاقات بين الطرفين، مدفوعاً جزئياً بالتحول إلى التعامل بالعملة الصينية "الرينمينبي" بدل الدولار، في ظل العقوبات الغربية المتزايدة.

أدوات جديدة لعقوبات قديمة: سد الثغرات ومنع التهرب

تسعى بروكسل من خلال هذه الحزمة إلى سد الثغرات في منظومة العقوبات المفروضة على موسكو، لا سيما في ما يتعلق بتكنولوجيا الاستخدام المزدوج، والمعاملات عبر طرف ثالث. وتُعد هذه الإجراءات بمثابة تحذير مبطن للدول والمؤسسات التي تسهّل أو تغض الطرف عن مسارات التهريب.

وأكدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أن "قدرة بوتين على الاستمرار في الحرب تعتمد بشكل كبير على الدعم الذي يحصل عليه من الخارج"، مضيفة أن "المسؤولية لا تقع فقط على روسيا، بل على كل من يساندها".

يعكس التهديد الأوروبي بفرض عقوبات على بنكين صينيين تغيرًا في قواعد اللعبة الجيوسياسية، حيث لم تعد الدول قادرة على التموقع كوسطاء اقتصاديين محايدين في صراع عالمي محتدم.
ويبدو أن الاتحاد الأوروبي بات مستعدًا لدفع تكلفة المواجهة الدبلوماسية مع بكين، في سبيل إحكام قبضته على أدوات الضغط المالي ضد موسكو. إلا أن نجاح هذا المسعى سيظل رهناً بثلاثة عوامل مركزية:

الوحدة الأوروبية الداخلية،

الموقف الأميركي بقيادة ترمب،

ردّ الصين في القمة المقبلة.

وفي ظل تعقيد التوازنات الدولية، يبدو أن المعركة لم تعد فقط على الأرض الأوكرانية، بل انتقلت إلى المصارف الرقمية، وأسواق المعادن، وممرات التمويل البديلة.

موضوعات متعلقة