زيلينسكي يحذر من هجوم روسي في سومي.. ولافروف يشترط الحياد ونزع النووي

وسط تصاعد التوتر العسكري على الحدود الشمالية لأوكرانيا، واحتدام التنافس الجيوسياسي بين روسيا والغرب، تجددت الدعوات إلى التفاوض لوقف الحرب المستمرة منذ أكثر من ثلاث سنوات، لكن دون مؤشرات حقيقية على اختراق دبلوماسي قريب. في هذا السياق، تتقاطع التصريحات الرسمية الروسية مع مخاوف أوكرانية من هجوم عسكري وشيك، بينما يحاول الوسطاء الدوليون كسر الجمود المتواصل.
الحياد النووي شرطٌ للحل
في تصريحات حاسمة خلال الاجتماع الأمني الدولي في موسكو، أكد وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف أن الحل السياسي يجب أن يمر عبر ضمانات صريحة لحياد أوكرانيا، ومنعها من التحول إلى قوة نووية أو قاعدة خلفية للغرب. هذا الطرح يعكس إصرار الكرملين على إعادة أوكرانيا إلى ما تعتبره "نقطة التوازن السابقة"، التي تتجلى في الحياد وعدم الانحياز، كجزء من رؤية أوسع لحماية الأمن القومي الروسي.
لافروف ذهب أبعد من ذلك، مطالباً بإلغاء ما وصفها بـ"القوانين التمييزية" في أوكرانيا، مؤكداً أن كييف لا تمثل مصالح سكان القرم وجنوب شرق البلاد، وهي إشارات إلى رغبة موسكو في إعادة هيكلة النظام السياسي الأوكراني بما يضمن نفوذاً روسياً ضمنياً في مفاصل الحكم.
زيلينسكي يحذر: استعداد روسي لهجوم واسع
في المقابل، حذر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي من أن موسكو تحشد نحو 50 ألف جندي في منطقة كورسك الروسية المحاذية لمدينة سومي، استعداداً لهجوم صيفي محتمل. وأشار إلى أن هذه القوات تركز جهودها لطرد الجيش الأوكراني من المناطق الحدودية وشن عمليات هجومية جديدة قد تغيّر خريطة السيطرة الميدانية.
رغم الخسائر التي تكبدتها أوكرانيا في المنطقة مؤخراً، ما زالت كييف تقول إنها تحتفظ بجيوب من السيطرة، بينما تحاول صد الهجمات الروسية المتكررة.
مفاوضات مرتقبة وسط انعدام الثقة
في ظل هذه التطورات الميدانية، تتجه الأنظار نحو جولة جديدة من المحادثات المباشرة، لم يُحدد موعدها بعد، حيث أعلنت موسكو أنها ستعلن عن تفاصيلها قريباً. ورغم أن لافروف وصف التفاوض بأنه "أفضل من الحرب"، إلا أن شروط روسيا الصارمة تُضعف فرص النجاح.
كييف تنتظر من موسكو تقديم مذكرة رسمية تحدد شروطها، في حين رفض زيلينسكي مقترح إجراء المفاوضات في بيلاروس، معتبراً أنها غير محايدة، مقترحاً أماكن بديلة مثل تركيا والفاتيكان وسويسرا. كما أبدت مالطا وبعض الدول الإفريقية استعدادها لاستضافة المحادثات.
يُذكر أن محادثات سابقة في إسطنبول فشلت في إحداث اختراق سياسي، رغم التوصل إلى تبادل للأسرى شمل ألف شخص من كل طرف.
تكتيك ميداني أم ورقة تفاوض؟
من جهة أخرى، لا يزال مشروع "المنطقة العازلة" الذي طرحه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين موضع جدل. زيلينسكي يرى أن روسيا تسعى لإنشاء منطقة عازلة بعمق 10 كيلومترات داخل الأراضي الأوكرانية، وهي خطوة قد تمنح موسكو هامشاً أمنياً على الحدود، لكنها تُعد انتهاكاً صارخاً للسيادة الأوكرانية.
التقارير تشير إلى أن روسيا سيطرت فعلاً على أربع قرى حدودية وتواصل زحفها البطيء نحو مدينة كوستيانتينيفكا، إلا أن القوات الأوكرانية استعادت، وفق زيلينسكي، نحو أربعة كيلومترات خلال يومين فقط، ما يعكس حالة الكرّ والفرّ المستمرة.
سباق التسلح وحشد الناتو
في الخلفية، يتزايد التوتر بين روسيا وحلف شمال الأطلسي. موسكو عبرت عن قلقها من الحشود العسكرية المتنامية للناتو قرب حدودها، معتبرة أن واشنطن وحلفاءها لا يحترمون سيادة الدول، بل يسعون لإعادة تشكيل التوازن العالمي ضد مبدأ "التعددية القطبية".
في المقابل، تحاول كييف تعزيز قدراتها الدفاعية، حيث طلب زيلينسكي تمويلاً بقيمة 30 مليار دولار لدعم قطاع تصنيع الأسلحة المحلي، في مؤشر على تحوّل أوكرانيا إلى دولة تعتمد على التصنيع العسكري المحلي لمواجهة تحدياتها الأمنية.
أزمة متعددة المستويات
تكشف هذه التطورات عن أزمة متشابكة الأبعاد، حيث تلتقي الحسابات الجيوسياسية الروسية مع تطلعات أوكرانيا السيادية في صراع محكوم بصعوبات داخلية وخارجية. على الأرض، تتسارع وتيرة التحضيرات العسكرية، فيما تبقى الجهود الدبلوماسية رهينة شروط قصوى من الطرفين، ومصالح متضاربة إقليمياً ودولياً.
في هذا السياق، تبدو جولات التفاوض المقبلة محاطة بالكثير من الشكوك، إذ إن كلا الطرفين لا يزال يتحرك من منطلقات استراتيجية لا تتقاطع، بل تتصادم في الجوهر: موسكو تطالب بـ"أوكرانيا محايدة"، وكييف تسعى لـ"أوكرانيا الأطلسية".
والنتيجة: صراع مفتوح، لا نهاية قريبة تلوح له، ما لم تُكسر المعادلة القائمة بوساطة دولية خارجة عن ثنائية موسكو-واشنطن، وربما بقبول تنازلات مؤلمة من كلا الجانبين.