واشنطن تخنق برمجيات تصميم الرقائق.. ضربة جديدة لطموحات الصين التكنولوجية

في حلقة جديدة من مسلسل المواجهة التكنولوجية بين واشنطن وبكين، أقدمت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب على خطوة تصعيدية بمنع شركات أميركية رائدة في مجال برمجيات تصميم الرقائق الإلكترونية من تزويد الصين بخدماتها، في إطار سياسة ممنهجة لكبح تقدّم بكين في مجال الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة.
الخطوة التي كشفت عنها صحيفة فاينانشال تايمز، استهدفت ثلاثاً من كبرى شركات "أتمتة التصميم الإلكتروني" (EDA)، وهي: Synopsys وCadence وSiemens EDA، والتي تهيمن مجتمعة على حوالي 80% من سوق تصميم الرقائق في الصين. وبحسب مصادر الصحيفة، فإن مكتب الصناعة والأمن التابع لوزارة التجارة الأميركية هو من أصدر هذه التوجيهات، والتي تأتي ضمن مراجعة أوسع لصادرات التكنولوجيا الحساسة إلى الصين.
مخاوف استراتيجية وتكتيكات اقتصادية
لا يتعلق قرار الحظر بحجم السوق فحسب، بل بطبيعة التكنولوجيا المعنية. فبرمجيات EDA تُعد بمثابة "العقل الخفي" في سلسلة إنتاج الرقائق، إذ تتيح تصميم واختبار الجيل التالي من المعالجات المتقدمة، بما فيها تلك المستخدمة في الذكاء الاصطناعي والتطبيقات العسكرية. وبالتالي، فإن منع الصين من الوصول إليها يمثل تعطيلًا جوهريًا لطموحاتها في هذا المضمار.
ويُنظر إلى هذا الحظر كتكملة لسلسلة من القيود التي بدأت منذ إدارة ترامب الأولى وتواصلت في عهد بايدن، لا سيما تلك التي طالت شركات مثل Huawei، وحظرت بيع شرائح متقدمة من إنتاج Nvidia إلى السوق الصينية.
تداعيات اقتصادية فورية على الشركات الأميركية
القرار الأميركي لم يمر دون أثر مباشر على الأسواق. فقد سجلت أسهم شركات البرمجيات المعنية خسائر واضحة:
تراجع سهم Synopsys بنسبة 9.6%.
انخفض سهم Cadence بـ10.7%.
هبط سهم Ansys بنسبة 5.3%، في ظل صفقة استحواذ ضخمة من قبل Synopsys تبلغ 35 مليار دولار، ما تزال تنتظر موافقة الجهات التنظيمية الصينية.
وتكشف الأرقام المالية عن أهمية السوق الصينية لهذه الشركات؛ إذ حققت Synopsys حوالي 16% من إيراداتها من الصين، بينما بلغت حصة الصين من مبيعات Cadence نحو 12%.
ظهور منافسين محليين
في مقابل محاولات الحصار، برزت مفارقة استراتيجية باتت تؤرق صناع القرار في واشنطن؛ فبدل أن تؤدي القيود إلى شلّ القدرات الصينية، ساهمت في تسريع نمو شركات محلية صينية في مجال تصميم الرقائق، من أبرزها:
Empyrean Technology
Primarius
Semitronix
وقد نجحت هذه الشركات في اقتناص حصة متزايدة من السوق المحلي، مدفوعة بدعم حكومي واسع وبرامج استثمار ضخمة في الابتكار المحلي.
بين شد الحبل الدبلوماسي وسباق الابتكار
تصاعد الإجراءات الأميركية ضد الصين في قطاع التكنولوجيا يعكس تحول المنافسة بين القوتين إلى صراع جيوتقني طويل الأمد، تحكمه قواعد الردع وليس الشراكة. ومع دخول قيود جديدة حيّز التنفيذ، يتزايد الغموض بشأن مستقبل سلاسل الإمداد العالمية، التي كانت تعتمد لعقود على تداخل المنظومات التكنولوجية بين الشرق والغرب.
ورغم أن بعض الأصوات داخل واشنطن تدعو إلى توازن بين الأمن القومي والمصالح التجارية، إلا أن المقاربة الحالية توحي بأن الإدارة تسير في طريق التصعيد غير القابل للتراجع، خاصة مع وجود رئيس لا يخفي موقفه العدائي من الصعود الصيني، وعودة ترمب إلى البيت الأبيض كعامل محفز لهذه السياسة.
الإجراءات الأميركية الأخيرة تمثل تصعيدًا نوعيًا في حرب الرقائق، إذ تستهدف الأدوات التي تمكّن الصين من تصميم رقائقها بنفسها، وليس فقط المنتجات النهائية. وفي حين تأمل واشنطن أن تعيق بذلك تطور بكين، تبدو الأخيرة عازمة على تحويل القيود إلى فرص للنهوض الذاتي، مما قد يؤدي في المدى المتوسط إلى تفكك الاعتماد المتبادل بين القوى التكنولوجية الكبرى، وظهور معسكرين متوازيين في مشهد الابتكار العالمي.