اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارونرئيس التحرير أحمد نصار

كندا تبحث عن استقلال استراتيجي.. انضمام محتمل لمبادرة إعادة تسليح أوروبا لفك الارتباط العسكري عن واشنطن

كندا
كندا

في تطور يعكس تحوّلًا استراتيجيًا في السياسات الدفاعية الكندية، أعلن رئيس الوزراء مارك كارني، يوم الثلاثاء، عن تطلع بلاده للانضمام إلى مبادرة أوروبية كبرى في مجال الدفاع تُعرف باسم "إعادة تسليح أوروبا"، وذلك بحلول الأول من يوليو المقبل، تزامنًا مع احتفالات يوم كندا.
وتأتي هذه الخطوة في إطار توجه كندي متزايد نحو تقليص الاعتماد التاريخي على الولايات المتحدة في مجالي الأسلحة والذخيرة، والسعي إلى تنويع الشراكات الدفاعية.
وخلال مقابلة مع هيئة الإذاعة الكندية، أشار كارني إلى أن "نحو 75 سنتًا من كل دولار يُنفق في قطاع الدفاع الكندي يذهب إلى السوق الأمريكية"، وهو ما وصفه بأنه "غير ذكي" من الناحية الاقتصادية والاستراتيجية.
ويؤكد هذا التصريح وجود رغبة واضحة لدى القيادة الكندية في إعادة توجيه الموارد الدفاعية نحو تحالفات جديدة قد تضمن استقلالية أكبر وتقليل التبعية التقليدية لواشنطن، خاصة في ظل التحولات الجيوسياسية المتسارعة.

خلفية المبادرة الأوروبية

مبادرة "إعادة تسليح أوروبا" التي يجري التفاوض بشأنها بين كندا والاتحاد الأوروبي تُعد جزءًا من خطة شاملة تهدف إلى تعزيز القدرات الدفاعية الأوروبية، وقد تصل كلفتها إلى نحو 800 مليار يورو. ويأتي هذا المشروع في سياق الردع المتواصل ضد التهديد الروسي، خاصة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، الذي أعاد إلى الواجهة أهمية تقوية البنية الدفاعية للقارة الأوروبية كأولوية قصوى.
وتطمح الدول الأوروبية، من خلال هذه المبادرة، إلى تعزيز صناعاتها الدفاعية وزيادة إنتاج الأسلحة والذخائر، بالتوازي مع تقليل اعتمادها على الصناعات الدفاعية الأمريكية. ومن شأن انضمام كندا إلى هذه الخطة أن يفتح لها المجال أمام الاستفادة من هذه الاستثمارات الضخمة، ويمنحها موطئ قدم في الصناعات الدفاعية الأوروبية، ويقوي موقعها داخل شبكات الحلفاء الغربيين.


التحضير لقمة الناتو وتصاعد الالتزامات


تأتي هذه التحركات في وقت حرج، إذ يستعد حلف شمال الأطلسي (الناتو) لعقد قمته القادمة، التي من المتوقع أن تشهد مناقشات حادة حول رفع أهداف الإنفاق الدفاعي للدول الأعضاء. وفي هذا السياق، أكد كارني أن كندا ستستجيب لهذه التوقعات، موضحًا أن بلاده "ستزيد من إنفاقها العسكري، ولكن بطريقة تعود بالنفع على كندا نفسها"، ما يشير إلى نية في إعادة توجيه الإنفاق ليدعم الصناعات المحلية ويفتح آفاقًا للتعاون مع شركاء جدد، مثل الاتحاد الأوروبي.
حاليًا، تنفق كندا نحو 1.37% من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع، وهي نسبة تقل عن الحد الأدنى الذي يطالب به الناتو والبالغ 2%. وقد تعهّد كارني بالوصول إلى هذا الهدف بحلول عام 2030، في مسعى لتحديث وتوسيع القدرات الدفاعية الكندية، وجعلها أكثر تكافؤًا مع التزامات الحلف.

تحليل دلالات التحول


يُشير هذا التحرك الكندي نحو المبادرة الأوروبية إلى تغيّر في العقيدة الدفاعية لكندا، التي طالما اعتمدت على المظلة الأمنية الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية. ومع التوترات العالمية المتصاعدة، خصوصًا بين الغرب وروسيا، واتساع النفوذ الصيني، يبدو أن أوتاوا تسعى إلى تعزيز استقلاليتها الاستراتيجية من خلال تنويع الشراكات الدفاعية، وخلق توازن بين التعاون عبر الأطلسي والانخراط في المنظومات الأوروبية.
كما أن هذا التحول يحمل بعدًا اقتصاديًا واضحًا؛ إذ إن تقليص الاستيراد من الصناعات الأمريكية قد يفتح الباب أمام تعزيز قطاع التصنيع العسكري داخل كندا أو بالتعاون مع المصانع الأوروبية، مما يخلق وظائف وفرصًا اقتصادية جديدة.